بقلم : هاجر القاسمي
الأرض غير الأرض والسموات، حلة جديدة تكتسي الكون، وفم الزمان تبسمٌ وثناء، ومسامعه ترتقب النبأ العظيم، والميلاد الأعلى للكون، تنزاح الغشاوة شيئا فشيئا، فإذا الجمال والجلال كأحسن ما يرى الرائي، وأبهر ما تفتر عنه القيم والأيام، لقد ولد النبي الكريم .
فاحتفاؤنا بمولد الشخصية المحمدية العظيمة فيه الكثير من الدروس والعظات والعبر، فهو المصلح الأعظم، والرحمة المهداة للعالمين، كان أجود الناس وأسخاهم كرما وعطاء، وبدأت الأغلال في انهيار متواصل، وبدا كل معبود غير الله تعالى ينكفئ على نفسه، وأصغت الأرض إلى السماء حينما دوى في الخافقين رفيف أجنحة الملائكة، ورنا الملأ الأعلى إلى بيت بنت وهب، حيث تشرق الدنيا بميلاد النبي الكريم محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم، ابن سيد البطحاء، وأيضا سيد الوجود، وإمام كل موجود.
كان ميلاد النبي الكريم، استثناء في حوادث الأيام، فقد كان ميلاد الرحمة المهداة، حملته أمه أمنا وسلاما، فلم تجد ما تجد الحوامل من ثقل الحبل، بل حدثت عن نفسها.
كان ميلاد النبي صلى الله عليه وسلم حدثا باهرا، ارتبطت به ذكرى عام الفيل، ذلك الجيش الضخم الذي ساقه أبرهة الحبشة إلى مكة ليهدم كعبتها المشرفة، فرده الله بطير أبابيل أمطرته حجارة وموتا زؤاما، أنهى ذلك قصة الجيش الذي قاده الطغيان الأعمى إلى نهايته التي بدأت من القليس وانتهت بركام وأشلاء متناثرة، وغضب سماوي.
رفد المولد النبوي الكريم ديوان الأدب العربي واللهجي في العالم الإسلامي كله بنضير الشعر وجميل الألحان، وكان للأغنية والموال المولدي تأثير خالد عابر للأزمان. ويمكن القول إن ما كتب عن النبي الكريم بكل لغات العالم الإسلامي هي دواوين محبة وأشواق نبوية، ويمثل الإمام البوصيري عنوان المديح النبوي الأول خصوصا قصيدتيه الهمزية والبردة اللتين مثلتا الدرجة الأعلى التي نسج الشعراء من بعدُ على منوالهما.
فالاحتفاء بمولد رسولنا الأعظم فيه دروس وعظات وعبر قيمة وسامية وسامقة، فهو نبي الرحمة والهداية، وأعظم مصلح وقائد عرفته البشرية على وجه هذه المعمورة بشهادة الأعداء قبل الأصدقاء وإقرار الملحدين قبل الموحدين، أشرقت الأرض بل الكون بنوره وغير مجرى التاريخ وأخرج البشرية من جور الكفر، وعبادة الأوثان إلى عبادة الواحد الأحد.
وبين الأشواق العاطرة والاحتفاء الخالد، تبقى ذكرى المولد النبوي الشريف عنوان الفرح الإسلامي الأعظم، والعروة الوثقى التي تجمع جميع المسلمين وبلدانهم وشعوبهم وطوائفهم على محبة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ولئن اختلفوا بشأن الاحتفال بذكراه، فإنهم يجمعون على أنه منطلق الإسلام والرحمة “قل فبفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون.