تحرير : محمد هلالي
يبدو عنوان المقال للوهلة الأولى غير
منطقي ، ذلك ان الكل تقريبا يطالب بإلغاء الوسطاء من السلسلة التجارية بهدف معلن هو خفض الأسعار . فكيف يستقيم القول إن إلغائهم خطر على المستهلك ؟
دعونا نفترض ان كل الوسطاء قد اختفوا من الساحة ، ولم يتبقى سوى المنتج الأول والمستهلك النهائي.
السؤال الذي يفرض نفسه الآن هو كيف سيصل المنتج للمستهلك ؟ فإما أن ينتقل الأول عند الثاني او العكس ، و الأمران غير قابلان للتحقيق على أرض الواقع.
قد تستغل جهة ما هذا ” الفراغ المرتقب ” لتقوم بتجميع ما يوفره المنتجون من بضاعة (…) ومن تمة تعرضها في متاجر خاصة بها ، كبرى ومتوسطة منتشرة وستنتشر في كل ربوع الوطن …
الأمثلة على ما ذكر موجودة فعلا ، فبعض المساحات الكبرى الآن تزرع وتنتج وتبيع خضرواتها الخاصة ، وتستورد منتجات بعلاماتها الحصرية …وفي حال سارت الأمور على هذا النحو دون حسيب او رقيب فإننا سنكون في القريب المنظور امام واقع سيتحكم فيه عدد محدود من الفاعلين الاقتصاديين في أنشطة كثيرة مع احتكار كل السلسلة الإنتاجية والتجارية واللوجيستية ، من الألف الى الياء ، طبعا دون وسطاء ، وهنا بالضبط تكمن الخطورة !
إن طبيعة السوق ومنطق الأشياء يجعلنا على يقين تام بأن الحديث عن دور الوسطاء في غلاء الأسعار ليس كله بريء ، وعليه لابد من التمييز بين الإحتكار المدروس لبضاعة معينة مع سبق الإصرار ، الذي غايته الندرة في السوق قصد الرفع من الثمن ، وبين الوسطاء الفاعلين والمهنيين الذين يعملون بجد ليل نهار لتقريب المنتج من المستهلك بشكل فعال و مستدام مع خلق مناصب شغل كثيرة وقيمة اقتصادية مضافة ، وبغيابهم سنكون وجها لوجه مع ” عمالقة ” لا اظن أنهم أرحم بنا من غيرهم .
يبقى التأكيد على أن خفض الأسعار مرتبط ارتباطا وثيقا بالتكلفة التي تتأثر مباشرة بالمحروقات والطاقة والكهرباء ، وترتبط بالمنافسة الحقيقية دون “ريع الرخص الخاصة ” التي يعتبر اصحابها وسطاء دون مجهود يتسلمون عائدات دون معنى ويرفعون التكلفة دون مبرر .
